مصـــر االثــورة الضائعـــة
د.نسيب حطيط
لم تلد الثورة المصرية بعد، وإن ولدت فليس من أبائها الشرعيين أو من الذين بدأوها وصاروا في كواليس النسيان،الثورة المصرية تتقاذفها في الداخل ثلاثة قوى الأخوان والسلفيون-المجلس العسكري-بقايا النظام وتتنافس قوى على نتائج الثورة ووراثة النظام الذي لم يسقط،فقد سقط مبارك كشخص ،لكن منظومة النظام وأذرعه لا زالت تمسك بالخناق المصري.
لقد حصد الأخوان المسلمون والسلفيون النتائج الأولى للثورة عبر إنتخابات مجلسي الشعب والشورى،وهم الذين لم ينزلوا إلى الشارع لإسقاط النظام ،وتعاملوا بحذر مع مجريات الثورة وفعاليتها،وعندما نضجت الأمور نزلوا إلى الشارع وحصدوا بذار الثورة مع السلفيين،وأنكفأ أنصار النظام والمجلس العهسكري بعض الوقت لإستيعاب الصدمة وتنظيم الصفوف بإنتظار إنتخابات الرئاسة، خاصة وأن صمود سوريا بوجه الأخوان المسلمين والتيارات السلفية قد شجع المجلس العسكري وأنصار النظام للصمود ومقاومة تمدد الأخوان،ودفع هذه القوى للمشاركة في إنتخابات الرئاسة عبر اللواء أحمد شفيق أخر رئيس وزراء في عهد مبارك والذي أظهرت الإنتخابات أن الثورة لم تتسرب إلى مفاصل الشارع المصري بل هي أسيرة دائرتين ،دائرة منظمة تتمثل بالتيار الإسلامي ودائرة مشتتة تتمثل بالقوى العلمانية والليبرالية والشبابية، والتي إما كانت رائدة الثورة الحقيقية وتم سرقة الثورة من(العيال)من قبل الكبار أو أن هؤلاء كانوا(مطية)أو(بربارة) لقوى غير مرئيةة داخلية وخارجية إستغلت أو دفعتهم إلى النزول إلى الشارع ،ومن ثم سرقت أو صادرت الشارع من أيديهم وتم تهميش دورهم وإلغائهم من الخارطة(السياسية)مما يعني أن ماسمي الثورة المصرية هو حراك غير مكتمل أسقط الحاكم الرئيس، ولم يسقط النظام الحاكم ...أسقط دولة ولم ينتج دولة بعد... حرك الفوضى ولم يؤمن الإستقرار... دمر المنظومة وأسقط الهيكل ولا يقوى على البناء،لأن حركة الأخوان المسلمين تمارس لعبة التناقض بين السر والعلن،فإنها تعلن بما لا ينسجم ولا يعبر عن حقيقة أهدافها، ولا زالت تمارس(العمل السري) السياسي بعلانية التضليل والمناورة السياسية،فبعدما أعلنت عدم نيتها ترشيح نفسها للرئاسة عادت ورمت بكل ثقلها وقوتها في الرئاسة لتمسك قبضتها على مجلس الشعب والشورى ورئاسة الجمهورية لتؤمن سيطرتها على الجيش والقوى المسحة وبعدها الإطار الإقتصادي.
مشكلة الأخوان المسلمين في مصر ومعهم التيار السلفي أنهم لا يستطيعون بناء دولة وفق عقيدتهم السلفية والأصولية المتشددة نظرا لتركيبة المجتمع المصري وركائزه الإقتصادية(السياحة وتوابعها...)وإذا سايروا وتنازلوا عن أفكارهم المتشددة نحو الدولة المدنية فإنهم يضربون كل تاريخهم العقائدي ويخسرون ورقة إتهام الآخر بعدم التدين والإنحياز للعلمانية،وإذا سقطت الورقة الدينية من أيديهم وهي الورقة الأساس والقوية وسلاحهم الوحيد طالما أنهم يفتقرون إلى الرؤيا والإمكانيات الإقتصادية لإنتشال مصر من الفقر والبطالة ،مما سيغرقهم في مستنقع إنهيار الدولة وإنقلاب الجمهور العام عليهم ،وكذلك في السياسة فهم مع فلسطين وتحرير القدس لكنهم مع إتفاقية كامب- ديفيد ومع حكام الخليج المتحالفين مع أميركا والأنظمة الملكية والعائلات الحاكمة التي تدعم الديمقراطية في عملية خداع ونفاق مكشوف، فكيف يمكن للإخوان المزاوجة بين الدين وإتفاقية كامب- ديفيد ،بين الديمقراطية والملكية، بين الشورى والملكية، بين الوراثة والخلافة وهذا أمر صعب ومستحيل، فإما المبادئ التي تحكم المصالح أو المصالح التي تعدل وتشذب المبادئ وهذه هي(تجارة العقيدة)والفكر التسويقي الذي يبتغي الربح الدنيوي بعيدا عن حساب الآخرين.
الثورة المصرية ضائعة ،يتيمة يتنافس على تبنيها ومصادرتها قوى داخلية وخارجية ومن سيفوز سواء الأخوان أو أنصار النظام،فإن الخسارة سيحصدها الشعب المصري،لأن الإنقسام بين التيارين السياسيين،تيار النظام والتيار الإسلامي من جهة وبين الإنقسام الطائفي بين الأقباط والمسلمين، ونتيجة التنافس السعودي-القطري على الساحة متزامنا مع التدخل المخابراتي الإسرائيلي والأميركي والذي سيستفيد مما زرعه طوال العقود الماضية بعد كامب ديفيد،لإخراج مصر أو تأخير عودتها إلى دائرة الصراع العربي الإسرائيلي ،خاصة وأن المشروع الأميركي قد ينجح في إرباك الجيش السوري وإستدراجه إلى الداخل مما سيريح العدو الإسرائيلي بعد تخلصه من أكبر جيشين عربيين(المصري والسوري)وأبعادهم عن الحدود وتحويلهم إلى قوات شرطة وأمن داخلي،لعله يستعيد التوازن الإستراتيجي المفقود بعد تنامي حركات المقاومة في لبنان وفلسطين وعجزه عن حصار القوة العسكرية والسياسية المتنامية لإيران والخوف من إنضمام العراق لهذه المنظومة السياسية والعسكرية.
الإنتخابات الرئاسية المصرية ستكون بمثابة إعلان المرحلة الثالثة من الثورة المصرية التي لم تكتمل بعد ،فإما الإستقرار أو الفوضى، مع دعائنا أن يجتاز الأخوة المصريون هذا المنعطف مع قلقنا الكبير من إستدراج مصر إلى ساحة الصراع الأهلي المسلح تماما كما في ليبيا وسوريا، بإنتظار أن يتحول الأردن إلى ملجأ للفارين من القاعدة واللاجئين الفلسطينيين ليتم بناء الوطن البديل بشكل هادئ كأحد الشروط لحل الصراع المصري الإسرائيلي وتوطين الفلسطينيين في الأردن.
هل سيفوز شفيق أم الأخوان أم سيفوز الشعب المصري أو الفتنة الداخلية.؟